الأحد، 20 مايو 2012

الفيلسوف | متأثرًا قبل أن يكون مؤثرًا

الفيلسوف .

الطبيعة مقابل التنشئة، موضوعٌ شغلَ أذهان الفلاسفة، وغيرهم، منذ القدم، ففي نظر أفلاطون وديكارت أن التنشئة لا تأثير لها على الإنسان وأفكاره إنما هي أفكارٌ وُلد بها [1]، أما أرسطو فيقول في نظريته تابيولا رازا، التي تبناها جون لوك فيما بعد، أن الإنسان يولد بعقل كالصحيفة البيضاء وبيئته وتجاربه التي يمر بها هي التي تشكل أفكاره. والآن لا تجد من يشك في أن لكلاها أثر. ففي عصرنا الحديث توصلت دراسات، اعتمدت على فصل التوائم في بيئات مختلفة، إلى أن للطبيعة، العوامل الوراثية، والتنشئة أثر على أفكار الإنسان بنسب لم يتم الإتفاق عليها.

الفلاسفة إذاً تأثرو ببيئاتهم وظروفهم التي عاشو فيها، ويبدو هذا جليا عند دراسة تطور الفلسفة خلال تاريخها، فما هذه التطورات والتغيرات في المذاهب الفلسفية إلا انعكاس لتغيّر البيئات التي ظهرت فيها. وأيضا هناك مِن الفلاسفة مَن كانت لتربيته وتنشئته تأثير على أفكاره وفلسفاته، وهنا أمثلة لذلك:

نرى تأثّر سقراط بعمل أمه كقابلة، فكان يشبّه ممارسته الفلسفية بفن التوليد، حيث أنّه يرى ان في العقل تكمن المعرفة وهو يقوم بعمل القابلة في توليد العقول الأفكار الصحيحة. وأيضاً تأثر إيمانويل كانت بتربية أمه الدينية القاسية فكان إنقاذ الدين المسيحي، بما فيه أخلاقيات الدين، من هجمات العلم والجدالات الميتافيزيفية من أهدافه الرئيسة، فنجده فيلسوفاً نقدياً يؤمن بمحدودية العقل وقد حاول أيضا ترسيخ المعاني الأخلاقية بوضعه للقانون الأخلاقي. كيركيغارد أيضاً كان لتربية والده الدينية المتزمتة أثر على أفكاره الفلسفية التي دارت معظمها حول الخطيئة والندم والتكفير والمصير.

وهناك أيضا عوامل سياسية وأخرى ثقافية أثرت على أفكار الفلاسفة في عصورهم، فتمازج الثقافات في العصر الهيليني نتيجة فتوحات الإسكندر الأكبر التي وصلت للشرق، أدت لظهور فلسفات دمجت بين الفلسفة الشرقية الروحية والفلسفية الإغريقية العقلانية، كما فعل الفيلسوف أفلوطين، حيث أعاد صياغة مذهب أفلاطون بحيث ينسجم مع المفاهيم الشرقية. وهناك أفلاطون الذي تأثّر بإعدام معلمه سقراط، فكان يرى أن القانون الذي يحكم بلاده قانون ظالم وجائر، فنادى بالدولة المثلى التي يحكمها الفلاسفة، وقدم في كتابه الجمهورية تصوراً للمدينة الفاضلة.

إن تأثر الفلاسفة بمحيطهم وبيئاتهم وظروفهم التي عاشو فيها، كان بمثابة نقطة إنطلاق، بدؤو منها فلسفتهم وبنوا أفكارهم التي سعوا من خلالها إلى تغيير مجتمعاتهم، وحاولو إيجاد صور الحياة الكاملة بنظرهم، متأثرين قبل أن يكونوا مؤثرين.

-----------------------------------------------------------

[ 1 ] نظرية الإستذكار - أفلاطون

0 comments:

إرسال تعليق