كارل ريموند بوبر أهم فلاسفة العلم في القرن العشرين، ولد في فينا عام 1902م، وتربى في بيت تزخر مكتبته بكتب الفلسفة والتراث الإنساني والمراجع الكبرى إلى جانب كتب الموسيقى. فوالده كان مثقفاً ومربياً ووالدته عازفة بيانو ماهرة. في ظل هذه التنشئة، نجد بوبر عازفا ومتذوقا للموسيقى، ونلمس بدايته كفيلسوف كان من أهم فلاسفة عصره.
درس بوبر في جامعة فيينا مختلف العلوم وحصل منها على درجة الدكتوراه في مجال مناهج علم النفس الإدراكي. بوربر كان متخصصاً في فلسفة العلم، وكتابه الأول كان بعنوان (منطق البحث العلمي) واحتوى على ابرز محاور نظريته في المعرفة. ومن ضمن ما عرضه بوبر مقياسٌ للتفريق بين العلمي واللاعلمي، فبعد أن كان المنهج التجريبي، الذي يعتبر في جوهره منهج استقرائي، هو الحد الفاصل ببنهما. قام بوبر بنقد المنهج الاستقرائي فهو يرى أن ما تم إقراره كنعصر مشترك بين مجموعة من الأشياء إنما هو حكم خاص بالباحث، وقد يصيب الحقيقة وقد لا يصيبها. وأن المقياس، كما يرى بوبر، هو قابلية الفكرة للتفنيد، فكلما زادت العناصر التي يمكن تفنيدها في النظرية كان أقرب إلى العلمية، والعكس بالعكس. وبالنهاية يرى بوبر أن غرض البحث العلمي هو الوصول إلى الإحتمالية الأقوى، والتي يمكن أن تدحض لاحقاً، ولا يمكن الوصول إلى الحقيقة المطلقة.
ويعدّ كارل بوبر أيضاً من أهم فلاسفة السياسة والإجتماع، ومن أهم مؤلفاته المعتبرة والتي شهرته عالميا ككاتب سياسي، كتابه (المجتمع المفتوح وأعداؤه). وفي هذا الكتاب دعى بوبر إلى المجتمع المفتوح، “وهو مجتمع يسمح بالتعبير عن وجهات النظر المتعارضة وتبني الأهداف المتضادة، يتمتع فيه كل فرد بحرية البحث في المواقف الإشكالية، وحرية اقتراح الحلول، وحرية انتقاد الحلول التي يقترحها الآخرون وبخاصة أعضاء الحكومة، مجتمع تتغير فيه سياسات الحكومة في ضوء المراجعة والفحص النقدي" [1]. ونقد بوبر في كتابه كلاً من أفلاطون، هيغل، وماركس. فتوجه بالنقد إلى يوتوبيا أفلاطون التي عرضها في كتابه "الجمهورية". فبنظر بوبر أن أفلاطون قام بتحديد صفات الفيلسوف الحاكم على مقاسه هو، وأنّه احتكر الحكم في فئة يدّعي انهم يحملون الأفكار والصفات التي تؤهلهم هم فقط للحكم ويملكون وسائل تعينهم على إجبار الآخرين أن يكونوا سعداء!
توفي كارل بوبر في لندن عام 1994م، بعد إتمامه مؤلفاتٍ مهمة طبق فيها منهجه الذي دعا إليه (العقلانية النقدية)، فخلال حياته التي استوعبت القرن العشرين تقريبا، توجّه بوبر بالنقد إلى عديد من الفلسفات والتوجهات العلمية الموجودة.
----------------------------------------------------------------
[ 1 ] عادل مصطفى، كارل بوبر /مائة عام من التنوير و نصرة العقل
0 comments:
إرسال تعليق