يغيب أحيانا عن الإنسان أن مـحـور تفكيره يجب أن يـرتـكـز عـلـى الـمبادئ وحـدها، التـي استـقاها مـن مرجعيته وشكلت منهجه، وأن لا يدع كفّة الماديّة أو حتى رُؤى أشخاص بعينهم ترجح على كفّة المبادئ. وهذا للأسف نعايشه في واقعنا، حيث نلاحظ بُعد الناس عن تفكيرٍ يقودُهم نحو نظرةٍ عادلةٍ للأمور والقضايا. أي أننا نفقد الموضوعية، أحد أعمدة بناء الإصلاح والتطوير !
من الأمور المهمة التي يجب أن يعيها الناس، ضرورة فصل المبادئ عن طارحيها، فتقبل المبادئ السليمة دون تقديس الأشخاص، ولا يصح ما يحدث من التعلق بهم والتعصب لهم وتقليد نهجهم في كل الأمور، فلا يُرى إلا ما يَرون ولا يُسمع إلا ما يَسمعون، أو أن تقبل آراؤهم دون نقد أو تفكير ويرفض أيضاً أو يهاجم أي نقدٍ خارجيٍ عليها وربما قوبل الناقد بالعداء.
ولعلّ من أسباب ذلك، غياب ثقافة الإختلاف فتُحصر الحقيقة في مجموعة من الأشخاص وأحيانا يُرفض نسب الخطأ إلى أشخاص بسبب شدة الإعجاب بشخصيتهم وأسلوبهم وقوة طرحهم أو بسبب تميزهم في عرض أحد جوانب الحق فيرفض العقل، وبالطبيعة البشرية، تقبل فكرة وقوعهم في خطأ، وأيضا قد تكون الرغبة في الإنتماء إلى حزب أو جماعة معينة سبب في تجنب مخالفة القادة والرؤساء خوفاً من الخروج عن السرب.
ومن الآثار السلبية الناتجة عن التعلق بالأشخاص والمعاشة في واقعنا، الإفتتان بشخصيات من التاريخ سواء القريب أو البعيد، فيرتبط حل أزمات الأمة ونهوضها ونجاتها بوجود أشخاص مثلهم، ونسو أن القادات عبر التاريخ لم يكونو طفرة بل هو التزام بمبادئ وتكافل جهود، وأيضا أصبحنا نرى تفرّق في صفوف الشباب،فشيخه على خلاف، ربما كان خلافاً برأي وحيد، مع شيخِ آخرٍ ويتجادلون ويتشاحنون وربما يكره بعضهم بعضاً!
وعي الناس وانتباههم إلى أن إنتماءهم يكون للمبادئ وليس للأشخاص أمر ذو أهمية لسلكهم المنهج السليم في التفكير، فالمبدأ لا يتغير ولا يتبدل أما الأشخاص فهم يخطؤون ويزلون وتنازعهم الأهواء، فلا تصح المبالغة في مدح الأشخاص، أيضاً من المهم تربية الناس على ثقافة الإختلاف وتقبل النقد والرأي الآخر ومناقشة الأراء قبل تبنيها. ونزع التعصب للأشخاص والجهات والجماعات أمر ضروري لتصحيح مسار تفكيرهم والوصول إلى الحق.
وعلى مر العصور نرى من تنبه لفكرة الإفتتان بالأشخاص، فعندما عزل عمر بن الخطاب خالد بن الوليد (رضي الله عنهما ) عن قيادة الجيش في معركة اليرموك كان قد تنبه إلى افتتان الناس بجيشٍ فيه خالد فقال : "لأنزعنَّ خالداً حتى يُعلم أن الله إنما ينصر دينه".
هي دعوة لإعمال الفكر في كل ما يقوله الآخرون وعدم إنزال الشخوص منزل القداسة، فكل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر عليه أفضل الصلاة والتسليم.
2 comments:
جميل ورائع ما كتبت أختي الكريمة وبالفعل نحتاج إلى التحرر من القداسة والتبعية المطلقة، وأجمل ما في المقال ما تميز بلون آخر وهو " فكل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر عليه أفضل الصلاة والتسليم"
أسأل الله لك التوفيق
موضوع متميز ورائع ,,, نحن بحاجة للموضوعية في طرح الاراء والافكار بالرغم من صعوبة الوصول لها بطبيعة الانسان العاطفية التي لا تخلو وان حاةل جاهدا من نوع من التحيز لفكرة ما ,,, هذا برأيي طبعا
إرسال تعليق